تجربة حياة

 

بقلم بثينة شعبان عبد المولى

 مجلّة الأبعاد الخفيّة   كانون الثاني  2008

       كان مفهوم العلاقة بين المرأة والرجل بشكل عام يؤرقها؛ أمّا ما كان يقضّ عليها مضجعها فهو مفهوم تلك العلاقة بين الزّوجين تحديداً... إذ كانت تلحظ الحبّ الجارف الذي يجمع اثنين ليتكلل أخيراً بالزّواج.. ثمّ تفاجأ بعد فترة بذوبان تلك المشاعر، فإذا بالرجل يبحث عن سلواه مع أخرى، أو بالمرأة يجذبها آخر، علماً بأنّ رابط الزواج ما زال يجمعهما... بينما قلّة تنعم بحياة زوجيّة رائعة ومستوى فكريّ مميّز! 

        والرغبة الصادقة في المعرفة تفتح أبواب الحقيقة على مصراعيها أمام مُريدها، وها هي تقع أخيراً على مجلّة "الأبعاد الخفيّة"، وتقرأ عن علم يُدعى "الإيزوتيريك –علم باطن الإنسان". أخذت عنوان البريد الالكتروني. وبعد التّواصل مع المسؤولين واستفسارها عن هذا المعهد، استطاعت الحصول على مجموعة كتب، من بينها كتاب لمرأة والرجل في مفهوم الإيزوتيريك - بقلم ج ب م"، الذي راحت تقرأه بشغف... وكانت كلّما أنهت قراءته، بدأتها من جديد لتكتشف فيه أسراراً قد غفلت عنها في المرّات السابقة، مدوِّنةً ملاحظاتها، واضعةً إشارات عند بعض الصفحات التي استوقفتها.. وهكذا، بات هذا الكتابُ كتابَها المفضّل الذي لا يفارقها أينما ذهبت ونِعْمَ الجليس في أوقات فراغها! 

     وممّا ترك فيها أثراً عميقاً، ما قرأته في الصفحة 62 من الكتاب: "وحين يقف الرجل إلى جانب المرأة على قدم المساواة في جميع النواحي، وحين تقف المرأة إلى جانب الرجل على قدم المساواة في جميع النواحي، سيباشران التقدّم معاً على مسار الوعي الذاتيّ والوعي العام، يزوّد واحدهما الآخر بما ينقصه وما يفتقر إليه،من صفات وميزات وخصائص. سيكافحان معاًَ من أجل فهم غاية وجودهما، وستباركهما الحياة وتمهّد لهما طريق الوعي، وتنير قلبَيْهما بالمحبّة المباركة". بالإضافة إلى ما يجيب عن تساؤلاتها حول خمود الحبّ بعد توهّجه (صفحة 79 -80 ): "أمّا تطبيق المحبّة عمليّاً ً– أي في التصرّفات الحسنة والمعاملة الصادقة والمساعدة وسوى ذلك – فهو الذي سيلج بالوعي إلى حيث تكمن تلك المقدرات. لأن، من دون التطبيق العمليّ لكل ما يكتسبه المرء من معرفة ،يؤول كل شيء إلى الجمود ثانية؛ وعامل المحبة يجب أن يرافق التطبيق العمليّ دوماً. عندها تبدأ عملية الإيقاظ والتوعية التي تتطلب الفكر السليم والتسلسل المنطقيّ وقوّة التركيز الذهنيّ". 

    إلا أنّ أمراً اضطرّها يوماً إلى التخلّي عن كتابها المفضّل هذا، ومن دون تردّد ، يوم قال لها زميلها: "أعلم جيّداً أنّك تحبين الطبيعة؛ فما رأيك لو نذهب إلى استراحة البحر حيث نتناول الغداء معاً، أثناء تباحثنا في موضوع العمل الذي أحتاج إلى مساعدتك لإنجازه؟" فوافقت حورية (وهو اسمها) بسرور... وفي انتظار السمك الطازج، شربا عصيراً مرطّباً، مسترجعَين ذكريات الماضي وأيّامه... وبدلاً من أن يبدأ ببحث جدول العمل كما كانت حورية تتوقع، راح يربط أحد أوجُه الماضي بالمستقبل، عبر رواق من الحاضر الممزوج برائحة البحر المندّاة برذاذ أمواجه اللاهثة! فإذا به يفاجئها: أتعلمين يا حورية شيئاً؟

-        ماذا؟

-        لطالما وددتُ أن تكوني "حوريّتي" لأنّكِ فتاة مميّزة... لكنّك صعبة المراس إلى حدٍّ زاد في إعجابي بكِ وإصراري على أن تكوني لي، ولي وحدي دون سائر البشر... 

        حدّقت حورية إليه بعينين تائهتين، وقد عقد الارتباك والذهول لسانها، فأدركت أنّها عاجزة عن الرّدّ على من اعتبرَته زميلاً لها، لا أكثر من زميل ولا أقلّ، وهي تكنّ له كلّ المودّة والاحترام! ثمّ قطع صوته الصّمت الثقيل مضيفاً :"حبيبتي" ،أرجوك، لا تجيبي الآن... فكّري مليّاً، وأنا مستعدّ لتلبية جميع رغباتك... فمهما غلتْ، ترخص عند قدميك! ولا تنسَي ما يملكه والدايَ من مال وثروة! كلّ ذلك سيكون تحت تصرّفك ورهن إشارتك!  

        لكنّ حوريّة أبحرت على زورق أفكارها لتمخر عباب بحرٍ من الصور والمشاهد المتزاحمة في مخيّلتها: زوجته، أولاده، حياته التي لا يريد التكلّم عنها، "رفقتهما" وأية تسمية تصلح لأن تطلق عليها بعد ذلك، صِدْقُ تقديرها له وبساطتها وعفوية لقائهما... وأخيراً كلمة "حبيبتي" التي ناداها بها، فشعرت وكأنّها تسرق رداءً من أردية زوجته وتتنكّر به... نظْرته إليها واستغلاله وضعها الماديّ.. الإخلاص والحبّ ومفهومهما لديه... استعداده لدفع أيّ ثمن لقاء إقامة هذه "العلاقة " باسم زوجة ثانية... وكأنّ المشاعر تُشترى وتُباع بالمال، ساحقاً التقدير لزوجته الحاليّة تحت قدميه العملاقتين! شعرتْ بالندم عندما أحسّت بأنّه، ربما، ما كان يجب أن تلبّي دعوته إلى الغداء!... فتنشّقت هواءً نقيّاً ملء رئتيها، لتكسر هي الصمت هذه المرّة، بعد أن جالت ببصرها في كلّ مكان وكأنّها تبحث عن أحدٍ ما، فاستغرب هو الأمر، وردّت على سؤاله قبل أن ينطق به :"إنّي أبحث عن رفيق، الوفاء ميزته، جئتُ معه وما عدتُ أراه، هل تعلم أين هو؟" فتفاجأ بما قالته، وفهمَ قصدها! طأطأ رأسه خجلاً أمام صدق كلماتها، محتقراً نفسه لأنّها دفعته إلى الاستسلام لغريزة جارفة... إلاّ أنّ كتاب "المرأة والرجل في مفهوم الإيزوتيريك" الذي أخرجته من محفظتها وتركتْه أمامه قبل أن تنسحب بهدوء، لفت انتباهه، ففتحه حيث وضعت أوّل إشارة وراح يقرأ (صفحة 88 -89 ): "...والإرادة بحدّ ذاتها قوّة فاعلة في الرجل وفي المرأة، وإن تواجدت إرادة قوية بنّاءة وإيجابية في آنٍ واحد، فأصحابها هم أولئك السائرون على درب الاكتمال بوعيهم وبإنسانيّتهم. والإرادة لدى الرجل تتلخّص في كونها "مقدرة التحدّي"، بمعنى هي قوّة غريزية كامنة، أو هي طاقة بالقوّة يسعى لتفعيلها. هذه الإرادة التي قد تسمَّى مثابرة في مراحلها الأولى، هي التي تمنح الرجل صفات القوّة والحزم والجرأة والتصميم على تحقيق رغباته ومتطلّباته بالوسائل المتوافرة. علماً أنّ التوجّه السلبيّ للإرادة هو الذي يطبع تصرفات الرجل بصفات العجرفة والغرور والمكابرة والعنف والخشونة والتشبّث بالرأي وفرض الآراء وجمود العاطفة، إلى ما هنالك".  

     وقرأ عن المحبة (صفحة 89): "المحبة المقصودة هي المحبة الشاملة السامية... التي تبدأ حبّاً بين الجنسين، وتتوسّع محبة بين البشر. صفة المحبة هذه ما زال ينقصها الصفاء لدى الرجل، لا بل هي أقلّ تفعيلاً من مشاعر الحب لدى المرأة. لأنّها (في الرجل) تكاد نادراً ما تخرج عن كونها أحاسيس جسد في عالم المادة، وفي خضمّ المصالح الفرديّة".  

     ثمّ ، وبعد لحظات تفكير وتفكُّر ، فتح الصفحة 100 حيث الإشارة التالية، وقرأ : "كلّ ما ينطبق على المرأة، ينطبق على الرجل ،إن في الحياة المعيشيّة أو الاجتماعية والفرديّة، أو الباطنية،أو حتى الحياة الروحية. هما الروح، توأم الحياة، لهما الحقوق نفسها والواجبات نفسها والمسؤوليات نفسها. بذلك يجسَّد عدل الله على الأرض في الجنسين".  

    فسأل نفسه : "أين أنا من كل هذا؟!".وتابع في الصفحة 145: "دور الرجل في الحياة لا ينحصر في دخول ميدان العمل لجني الأموال ثم الزواج وبناء عائلة… ودور المرأة لا يقتصر على الحمل والإنجاب والقيام بالواجبات الزوجية والمنزلية.بل هو دور مميز أنعم به الخالق على مخلوقه الثنائيّ،أو ذرّيّّته التوأم – الرجل والمرأة – من أجل إكمال هدف الخليقة ككل، وهو الارتقاء بالوعي إلى أسمى درجاته. دور الرجل والمرأة معاً هو تجسيد ركيزة الحياة، التي عليها يرتفع بنيان الصرح الداخليّ للإنسان... دورهما هو إنشاء جيل واعٍ جديد قادر على استيعاب دور الإنسان الأساسيّ على الأرض، وفهم الحقيقة التي جسّدها وجوده الماديّ... دورهما هو غرس تلك القيم التي ستفتّح وعي جيل المستقبل على مقدرة إدراك الحقائق الكبرى واستيعاب أبعادها. هو دور إنسانيّ يعمل على توسيع حلقة الوعي العام من أجل احتواء الوعي الكامل لجميع أجزائه. في الماضي السحيق، ماضي الحضارة الأعظم التي نعمت بها الأرض، كان الرجل يدرك أهمية دور المرأة في الحياة، وأهمية التطور الإنسانيّ. إذ كانت المرأة تشكّل ركناً أساسياً في الحياة بسائر نواحيها الحياتية والاجتماعية والثقافية والسياسية والباطنية". 

    وسرح في البعيد يفكّر في ما قرأه، ليجد أنّ الكتاب يجذبه ثانية ليكمل ما بدأه (صفحة 146) : "وكان الرجل من جهة أخرى يشارك في المسؤوليات التي تقوم بها المرأة اليوم، كمساعدتها في الاعتناء بالشؤون المنزلية، وتربية الأبناء وتثقيفهم. لقد كانا متساوييْن بكل شيء. لأنّ المشاركة الكلية كانت عماد حياتهما وأساس التقدير المتبادل ودوام الحب. كان ذلك إبان العصر الذهبيّ في القارة المفقودة – أتلانتيد. ومع تقهقر الوعي، ابتعد الإنسان عن حقيقة ذاته، وغاص في ظلمات الجهل واللاوعي، وعاش عصوراً طويلة في دهاليز الزيف... مما أبعد نفسه عن حقيقته أكثر وأكثر... ومعها تفكّكت الروابط العائلية التي كانت تقرّب الرجل من المرأة، وتجعل منهما وحدة وعي متماسكة".   

    فتذكّر تصرفاته مع زوجته التي، كما يعلم جميع أصحابه، تزوّجها بعد قصة حبّ جارفة؛ وأنجبا ثلاثة أطفال ما زالوا يحتاجونه، بينما هو.. قد نسي، أو ربما تناسى، مسؤوليّته الزوجية تجاه زوجه وأولاده، مسؤوليته الأبويّة تجاه عائلته، لا بل داس على كل مسؤولية من مُحِبّ نحو حبيبته، مذرّياً مشاعرها في مهبّ الريح؛ وتذكّر كلماتها، كلمات زوجته الممزوجة بالدموع الأسبوع الفائت حين قالت له: "إنّ علاقتنا أصبحت، بالنسبة إليك، واجباً، لا أكثر... ما عدتُ أشعر بك معي وقربي، أو في حياتي حتى!..."  إلى ما هنالك ممّا أفضت به بعد أن كسر قلبها، وبات يتصرّف "كموردٍ" لمنزلٍ، لا كمسؤولٍ عن عائلة! صار يخبرها بالضروريّ واللازم فقط! وعندما يجلس معها، وقد بات هذا قليلاً، لا يسألها عن عملها أو عن نتائج الأولاد في المدرسة، ويفكّر فقط في "علاقاته العابرة"، وبأنانيةٍ جارحة! 

   ثمّ أفاق من شروده وشفتاه تتمتمان: "تبّاً ، كم أنا بعيد عن نفسي وعمّن حولي... بعيد إلى حدّ أنّني أجهل من أنا، وماذا أريد، وماذا حقّقتُ في هذه الدنيا، لا بل ما الغاية ممّا حقّقتُ؟!!! ووقع نظره على ما كان صفعة بالنسبة إليه (صفحة 146): "تفكّكت تلك الروابط فنشأت هوّة سحيقة ازدادت عمقاً واتّساعاً مع الأيام... إذ إنّ الرجل جاهد لبلوغ الأعالي والقمم، والمرأة قبلت بالسفوح والوديان... لكنّ الرجل وجد القمم فارغة. لأنّه وجد نفسه وحيداً هناك. فعمد البعض الواعي من الرجال إلى التنازل عن تلك القمم الموحشة البعيدة عن المرأة. أما البعض الآخر الذين لم يعوا الحقيقة الحياتية  والوجودية، فقد عمد غرورهم وتسلّطهم إلى التحكّم في المرأة أجيالاً طويلة... إذا ما أراد الرجل سموّاً يجب أن يسمو بصفاته وأخلاقه، لا باستكباره وتسلّطه... ولتعلم المرأة أنّ الضِّعة ليست تواضعاً. لأنّ الطفيليات لا تنمو إلاّ في أسفل جذوع الأشجار، لتمتصّ غذاءها دونما أدنى فائدة تقدّمها!"  

   وبعد فترة من سيرها وحيدةً في طريق العودة إلى منزلها، وقد تحجّر الدّمع في مقلتيْها، امتدّت يدٌ تمسك منديلاً... التفتت، فإذا به يبتسم معتذراً، ويقول: " لقد عثرتُ على زميلك تائهاً بين ملذاته، فسألتُ فكرَه أن يرشده إلى الطريق السّويّ، فأرشده إليك يا صديقتي الحميمة...

                                       

 click here to go back to the NewsRoom page

 


 E-xplore other Publications 

 أخبر صديق عن هذه الصفحة   Email this page to a Friend

اضف الى مواقعي المفضلة      Add to My Favorite Bookmarks

 

 back to HomePage : www.Esoteric-Lebanon.org 


جميع الحقوق محفوظة © سلسلة علوم الايزوتيريك ( منشورات أصدقاء المعرفة البيضاء )

ص.ب:  6819-16 ، الرمز البريدي  2160 1100  بيروت - لبنان 

هاتف - فاكس : 717456-4-961+  ،   683462-1-961+

  

In case you are experiencing some difficulties when viewing Arabic text please click here

  ندعوكم لحضور محاضراتنا الاسبوعية و الشهرية و الاستفسار عما يلزم ...

 

Copyright © SOCIETY OF FRIENDS OF THE WHITE KNOWLEDGE

.www.Esoteric-Lebanon.org  All rights reserved

 

http://www.esoteric-lebanon.org/feedback.htm   

....