بقلم ج ب م
ISBN: 978-619-216-008-1
صدر حديثاً ضمن سلسلة علوم الايزوتيريك (علوم الباطن الانساني) الكتاب الثالث والاربعون بعنوان «رحلة بين قبائل السلبيات…» بقلم د.جوزيف مجدلاني (ج ب م). يضمّ الكتاب 96 صفحة من الحجم الوسط، منشورات أصدقاء المعرفة البيضاء، بيروت.
تساءل كثيرون، {ما أعمق هذا الكيان الانساني وما أعظمه وجوداً وأرقاه خلقاً… لكن كم نحن بعيدون عن حقيقته!}. إذ إنَّ ما نعرفه من هذا الكيان العظيم لا يتعدّى عشرة في المئة من حقيقته الكاملة على أبعد تقدير (النسبة القصوى المتفتِّحة من خلايا الدماغ لدى العوام حالياً) أي ما يوازي طاقة المدارك على الاستيعاب في الزمن الراهن، وما يتوافق مع حرارة الشمس على الأرض!
لعلَّ أهم ما في هذا الكتاب الشيِّق، الكاشف والفريد من نوعه أنَّه يتناول موضوعاً لا يبدو أحداً أن تطرَّق إليه من قبل… وهو عيوب النفس البشريَّة، أو السلبيات الغائبة عن مدارك صاحبها!…
يلقي «رحلة بين قبائل السلبيات…» الضوء على ما يجهله المرء وهو هاجع في صميم نفسه، يتصرَّف عبره لاشعورياً منه، وربَّما يساوره الندم، أولا يتنبَّه إلى نتيجة تصرُّفه… وهنا يكمن الخطر، وتشتدّ المعاناة، ويتوالد العذاب في حياة المرء… كل ذلك من دون أن يدري السبب. وهذا ما يجعل المفكِّر يتساءل: ’هل العذاب (إذا ما اضطرَّ الأمر) عمليَّة بديهيَّة أو ضروريَّة’ لصقل} الجوهر الانساني كي يظهر أشدّ لمعاناً وبريقاً؟!}.
«رحلة بين قبائل السلبيات…» الكامنة في النفس البشريَّة دونما دراية صاحبها، كيف يكتشفها؟ كيف يتحقق منها؟ وكيف يعمل على إزالتها واستبد الها بالايجابيات؟!
يسرد الكتاب قصة واقعيَّة ذات وجهين: الأوَّل حياتي عملي، والثاني وجداني؛ وجهين مختلفين عن بعضهما ومتباعدين… كل يعمل على هواه، دونما علم أو اهتمام بالآخر، متجاهلين أنَّ الغاية تقريبهما إلى بعضهما، والهدف إلغاء التناقض بينهما… إذا ما شاء المرء أن تستقيم حياته وتبتعد عنه المنغِّصات الحياتية…
يستعرض الكتاب بأدق التفاصيل مواجهة صريحة بين النفس والذات، يشرحها في صور حياتية ومواقف عمليَّة لا يملك القارئ إلَّا أن يشبِّهها على نفسه، يقتدي بها ويعيش بموجبها، فيرتقي في حياته، في أعماله ومشاغله الخاصة والعامة، ما يوسِّع نظرته في الأبعاد، ويضفي على مداركه سعة أفق التفكير… ويثبِّت أنَّ الايزوتيريك أسلوب حياة راقٍ وبديع.
هدف الايزوتيريك أن يكشف تباعاً المعارف الخافية في حياة الانسان – وكم هي كثيرة لا يحويها حصرٌ ولا عدٌّ… إنَّما هي دائماً مظلَّلة بالوعي الحياتي العملي.
وحيث أنَّ وعي الظاهر يعصى عليه ادراك مكنون وعي الباطن في الحالات الاعتياديَّة، لنستمع إلى المعلِّم وهو يشرح بأسلوب انسيابي سلس، قوامه قاعدة ذات ركائز أربع، معروفة إسماً لكنَّها مجهولة تقنيّاً، ودورها متداخل في بعضه، يشرحها الكتاب بتبسيط السهل الممتنع الذي يستوحي من الفنون تعبير التصوير وجمال الشاعريَّة، وهي:
التأمل، التركيز، التمعن، والتطبيق (أي ممارسة النتائج).
يشرح المعلِّم هذه التقنيّة:
«تعلم فنّ التأمل من عاشق مُتيَّم ينتظر معشوقته في لقاء أبدي، وفي خلفية خياله صورتها التي تهيمن على وجوده دونما تركيز منه أو جهد. لأنَّ توقه إليها يتخطى حدود التفكير والتركيز والوعي الحسي.
وتعلم فنّ التركيز من حرفيٍّ ماهر، يحاول أن يبتدع من بضعة أشياء بين يديه أدقَّ تحفة وأجمل عمل. لأنَّ الصورة-الهدف المحفور عميقاً في ذهنه، هو الذي يشحذ تركيزه ويجعله أكثر حدة.
وتعلم فنّ التمعن من موسيقيّ بارع يستلهم نغمات سيمفونيته من أصوات الكواكب والنجوم، ثمَّ يتمعن فيها، باحثاً عن أبعادها، عن معانيها، عما أُخفي بين نغمة وأخرى، وبين نجمة وأخرى.
وتعلم فنّ التطبيق العملي من نملة تحمل قشة على ظهرها وتسير بها مسافة طويلة لتبني لنفسها جُحْراً يأويها وصغارها طوال فصل الشتاء. فالمثابرة في عملها لهي أسمى ما يصبو إليه انسان في تطبيق ما يتعلمه. فتلكُم هي قمة الوعي في المعرفة».
بذلك ينفتح المرء على باطن وعيه، لا بل سيجد أنَّ ثمة اتصالاً قد مُدَّ بين ظاهر وعيه وباطنه… مسؤوليته أن يمكِّن هذا الاتصال في ضوء الحكمة العملية المكتسبة. فالحكمة اكتساب، والاكتساب حقيقة تطبيق، والحقيقة لا تُهادِن، لا تُساوِم ولا تتهاون… وإلَّا فليست حقيقة.
من هنا، فإذا ما أبصر المرء سلبياته بعين الحقيقة، ضعُفت تلقائيّاً وتقلَّصت أمام نور الوعي. لأنَّ الجهل ظلام داخلي، والظلام هو الغذاء الوحيد للسلبيات، ومأوى كل سوء تصرُّف. فالسلبيات لا تعشِّش إلَّا في ظلام الوعي. إعْترفْ بوجودها تجدها ضعُفت؛ إكشفها، تجدها تقلَّصت؛ سلِّط عليها نور الوعي، تجدها بد أت تجفّ وتذوي.
كتاب انساني بطبيعته، ارتقائي بهدفه، حياتي بأسلوبه، عملاني، ارشادي وكاشف.