في القدم، كان الايزوتيريك، أوعلم الذات الباطنية، الشغل الشاغل لكل من وطأ الأرض وعاش عليها. اذ أن معرفة الانسان لنفسه هي المعرفة الوحيدة التي كان يتوق اليها الكائن البشري، ويسعى جاهدا لاكتسابها.
منذ ما دبّ الانسان على الأرض، بدأ هذا الشعور الداخلي يستيقظ – شعور التوق الى معرفة مكنونات نفسه.
وعلى مرّ الزمن، استمر هذا الشعور ينمو حينا ويخبو أحيانا أخرى، تبعا لثقافات وحضارات الشعوب التي ازدهرت بها الأرض. لكن جوهر هذا الشعور لم يتغير، بل بقي ذاته في النفس الانسانية.
وكان انسان الماضي السحيق يدرك ضمنيا أن معرفته لنفسه ستشمل معرفة الطبيعة والكون. لذلك اكتفى انسان تلك الازمنة الغابرة بالسعي الحثيث لمعرفة نفسه، تلك المعرفة التي ستؤهله لدراية وادراك كل ما حوله.
لكن مسيره على درب المعرفة لم يدم طويلا… فقد حاد الانسان عن المسار السليم الذي كان ينتهجه في غابر الأزمان، لذا استحالت عليه معرفة نفسه، تلك المعرفة الأسمى قداسة والأرقى شمولية، اذ أنها المعرفة الروحية ذاتها !
وبعدما أدرك الانسان عجزه عن معرفة نفسه – كونه تخلّى عن المنهج الانساني الصحيح – راح يبحث عن معرفة ما يقع عليه بصره وما تطاله يداه، أي معرفة الطبيعة والمادة، معرفة المنظور والملموس. وكذلك حاول الإلمام بعلم النجوم والكواكب والأفلاك… وكان ذلك بداية ابتعاده الحقيقي عن نهج ذاته، وبالتالى شروده عن الدرب المستقيم الذي كاد يوصله الى الهدف الذي وُجد لأجله، لولا انقياده الأعمى وراء الرغبات المادية، والشهوات الجسدية، التي لم تكن الا لتسجن روحه، وتقيد انطلاقتها نحو الألوهية السامية.
ذلك كان بدء الخروج عن الدرب القدرية التي رسمها المخطط الالهي، والتي كادت توصل الانسان الى كنف الخالق.
بالرغم من ذلك، بقي الانسان يشعر، ضمنيا، بضرورة معرفة نفسه، والتعمق في أسرار ذاته… ممّا جعل شعوب العالم تبتدع العلوم والمعارف العديدة والمتنوعة التي تدور في فلك الانسان. لكن ما من علم استطاع أن يسبر غور الانسان، ويتعرف الى كنهه. فالانسان نفسه كان بعيدا كل البعد عن فهم ذاته. كان يسعى لمعرفة المادة والتعمق في تركيبها فحسب، وقد انساق فعلا وراء زيفها، واستسلم لقيودها وحبائلها… ظنّا منه أنها المعرفة الحقة والوحيدة.