مستقبل الايزوتيريك

لا نبالغ اذا ما أكّدنا أن الايزوتيريك سوف يشمل كل علم وجد على سطح الأرض. وهذا الواقع ليس بعيد التحقيق، لأن المستقبل قد بدأت معالمه تظهر رويداً رويداً.
ها هو الايزوتيريك – قد بدأ يجتاح الطبّ، وعلم النفس، وأيضاً علم الهندسة والأرقام، والعلوم التاريخية والجغرافية. وتدريجاً، سوف يغزو كل علم على وجه الأرض… لا ليجعل من شتى العلوم علوماً ايزوتيريكية، فذلك ليس الهدف، بل ليصبح الايزوتيريك هو العلم الوحيد على الأرض الذي يشتمل على شتى العلوم، لأنه بكل بساطة علم الانسان الشامل !
المستقبل القريب، وليس البعيد، سيشهد انطلاقة الايزوتيريك في سائر الحقول والمجالات العلمية، لينظّم شتى العلوم ويعرفها الى الحقيقة، ويكشف الجانب الخفي، الجانب الحقيقي منها.
أما المستقبل البعيد، فسيشهد احتواء الايزوتيريك للعلوم جمعاء، وبالتالي سوف يصبح الايزوتيريك العلم الوحيد الذي يدرّس في مناهج المعاهد والجامعات… ليس لأنه علم الانسان فحسب، بل لأنه علم الكون من خلال الانسان !
نرى انسان اليوم يسعى الى البحث عن خفايا الأمور أكثر من انسان الأمس، وكأن انسان الحاضر قد ضاق ذرعا بالجهل يراه من حوله، وبقيود المادة التي تكبّله، وتمنعه من التحليق في فضاء الذات! وهذا ما جعل الايزوتيريك يتحرك… وها هي تباشيره تلوح في الأفق… فالانسان الذي يطلب، لا بد أن يُعطى… وحين يسعى لا بدّ أن ينال. وها ان الايزوتيريك يكشف كل ما كان خافياً… وكل ما كان حكراً على الأعيان والملوك… لأن الملك الحقيقي هو الانسان !
وهذا ما سيتحقق مستقبلاً، ليس في المستقبل البعيد، بل القريب، والقريب جداً !
والعناية الالهية تبارك وتأخذ بيد كل من سعى واعياً نحو الحقيقة والحق !!

الايزوتيريك في الكون

كان وما زال علم الايزوتيريك العلم الأشمل والأوسع. نقول: كان وما زال… لأنه كان قبلاً، كان هو علم الانسان منذ أن استوى الانسان واعياً على الأرض… وما زال، لأنه ها هو يشرق من جديد على الوعي الانساني ليرتقي به الى الأسمى! وسيبقى الايزوتيريك، لأنه الأبقى، ولأنه الأكمل !
حقيقة واقعية تأكد منها الطلاب المتفوقون وهي أن علم الايزوتيريك يُدرّس في سائر طبقات الكون… وليس على الأرض فقط ! لأنه استمرارية، ولأنه الطريق الى الحق !!!
حيثما يوجد الانسان، على الأرض أو في عالم الماوراء، متجسداً أو من دون جسد… يعتبر علم الايزوتيريك هو الأشمل والأسمى، لأنه علم الروح لا المادة، والجوهر لا الجسد !
في جميع طبقات الوعي الماورائية، يُلقَّن علم الايزوتيريك، لأنه الوحيد الذي يصلح فى تلك الطبقات كافة. فهو علم الذات وتطوير الوعي.
الدرب القدريّة تمتد عبر الأزمان والأكوان، تنطلق من صميم الانسان، وتمتد وتتمدد، ترتفع وتسمو حتى طبقات الفضاء الأعلى… فالعوالم الماورائية التي تحوي روح الانسان، ليست محدودة، ولا معدودة. وأينما تواجد الانسان، امتدت الدرب القدرية… وعلى تلك الدرب يتلقى الانسان علم الايزوتيريك… ليتابع، ويتابع… فالهدف هو أن يصل الى حيث المعرفة الكاملة التي لا معرفة بعدها !
والمعلمون الحكماء ينتشرون في كل مكان، على الأرض وفيما وراء الأرض، يوعّون الانسان ويقدمون اليه المعرفة التي من شأنها أن تقربه أكثر فأكثر من نفسه، ومن الدرب التي يجب أن يسلكها نحو الهدف.

الايزوتيريك ومعرفة الذات

الايزوتيريك ليس معرفة الذات فحسب، بل تطبيق معرفة الذات عملياً في الحياة!
“ان معرفة الذات هي أمّ كل معرفة!” عبارة قالها الأقدمون. وبعدها كانت انطلاقة الفكر الفلسفي اليوناني. فمعرفة الذات هي الهدف الأول من علم الايزوتيريك، لكنه ليس الهدف الأخير. لأن معرفة الذات تعتبر اكتمال وعي الانسان، أو وصوله الى العرش الانساني يليها مرحلة اخرى ارقى حكمة ومعرفة وتطوراً… وهذا ما سترتقي اليه روح الانسان الذي انطلق من معرفة الذات، الى تطبيق هذه المعرفة، ومن ثم تجاوزها الى معرفة الكون.
فمعرفة الانسان لنفسه أمر واجب، اذ أن الانسان هو المحور والمنطلق. لكن معرفة الكون كذلك أمر ضروري، لأن الانسان نفسه هو جزء من هذا الكون! والشيء المهم والملفت للنظر هو أن معرفة الكون سوف تنطلق من معرفة الذات… فالذات الانسانية هي المحور، وهي أساس كل شيء !
معرفة الانسان لذاته هي ذلك الحلم الذي لطالما راود الفلاسفة والعلماء، والذي سعى اليه العظماء والأعيان… واعتقد الجسم الطبي يوماً أنه وصل اليه! لكن الواقع يؤكد أن ما من أحد استطاع الوصول الى معرفة الانسان سوى من امتلك علم الايزوتيريك، وسلك درب الوعي والتطور! علماً ان معرفة الذات في مفهوم الايزوتيريك، تشمل التطبيق العملي لهذه المعرفة.
ما نقصده بكلمة “الذات” هو ذلك الجزء الالهي السامي في الانسان، ذلك الجزء الخفي الذي تتجاهل او تجهل العامة وجوده… أنه المسيّر الحقيقي للكائن البشري، بل هو الانسان الحق!

الايزوتيريك والجمعيات أو معاهد معرفة الباطن الأخرى

منذ البدء – بدء حياة الانسان على الأرض – رسمت الطريق التي يجب على الانسان سلوكها من أجل العودة الى الخالق. ووضعت الأنظمة والقوانين التي يجب اتباعها لتسهيل تلك المسيرة المقدسة، وكل ذلك قد سجّل في الوعي الباطني الانساني.
سار البعض على تلك الطريق، وشرد البعض الآخر عن اتباع تلك الأنظمة، وعن انتهاج الدرب المقدسة. ولما وجد القيمون أن الانسان قد تاه عن وعيه الباطني… ارتأوا تجميع تلك الأنظمة والقوانين فى مخطوطات خاصة، وتأسيس معهد خاص لتعليم الانسان، بل لتذكيره بما يجب انتهاجه للعودة الى الأصل. وكان هذا المعهد هو المعهد الباطني الأول من نوعه على وجه الأرض، وقد سمي ب “الأخوية البيضاء ! ”
ومضت عهود وأزمان على تأسيس هذه الأخوية الأولى التي خرّجت معلمين متفوّقين وروّاداً على درب الوعي، وقادة ادراك قلّ نظيرهم… انطلقوا من هذه الأخوية، وانتشروا في أنحاء العالم أجمع، يؤسسون معاهد أخرى ذات درجات وأسماء مختلفة… لكنها جميعاً كانت تتبع ذات الأنظمة التي تأسست عليها الأخوية الأم – الأخوية البيضاء. وذلك سعياً منهم لتثقيف الشعوب وتوعية باطن كل انسان، حسب مستوى وعيه.
وأظهرت هذه المعاهد الباطنية نتائج متفوقة فى بادىء الأمر. لكن الشرود عن طريق الحق بدأ مع غياب المؤسسين… واستمر مع التغييرات التي طرأت على كل معهد، حتى بات العدد الأكبر من تلك المعاهد الباطنية صورة معاكسة أو مزيفة عن الأصل… شأن معظم المعاهد الباطنية المتواجدة حالياً على الأرض… وبالتالي انقطع اتصالها مع الأخوية الأم.
وبعدما تدّرك الوعى البشري الى الحضيض، وبعد أن كثر التهافت على المصالح الفردية، لاسيما داخل المعاهد التي ما زالت تدعي انتسابها الى الأخوية البيضاء، ارتأى القيمون أن الوقت قد حان لاعادة الانسان الضال الى الدرب القويم فباشر البعض من القيّمين تصميم المخطط الذي سيعيد كافة المعاهد الباطنية الى الأصل، ويجعل من كل مريد عضواً في “الأخوية البيضاء” عبر درب الايزوتيريك، أو عبر النهج الأساسي الذي كان متبعا في “الأخوية البيضاء”.
هذا مع العلم أن الايزوتيريك لن يعمل على دخول الجمعيات أو المعاهد الباطنية… فهدفه ليس التوسّع في هذا المضمار، بل أن يحوي الجميع، وألا يكون محتوَياً من قبل أي كان… لأن الأصل يحوي الكل… ولا يكون مُحتوَياً في شيء !

الايزوتيريك والميتافيزيقيا

في غابر الأزمان، لم تكن المعرفة مقسمة أو مجزأة الى مواضيع واختصاصات شأن العلوم الحالية. فنحن اليوم نسمع باسماء علوم كثيرة منها علم الفيزياء، وعلم الكيمياء، كذلك علم النفس، والطب، وعلم الذرة وعلم الفلك ألخ… أما في الماضي السحيق فكانت المعرفة علماً واحداً، هو علم الانسان… الذي كان يشمل سائر العلوم.
فالمعاهد القديمة لم تكن برامجها تسمح للطلاب بدراسة علم الطب لوحده دون علم الهندسة… أو علم الفلك دون علم الذبذبات الصحية مثلا… بل كانت المعاهد تدرّس علم الانسان ككل، فيكتسب الطالب سائر العلوم التي تُعتبر أجزاءاً من علم الانسان !
ومع مرور الزمن، وبعدما تكثفت العلوم المادية حتى باتت تشكل عائقاً أمام تطور الانسان وانطلاق وعيه… وبعد أن شرد الانسان عن الدرب القويم، وأغلقت منافذ الوعي فيه… وبعدما غاصت معظم خلايا دماغه في لا وعي مطبق، لم يعد باستطاعة الانسان أن يلمّ بما كان يلمّ به قديماً من علوم… لأن وعيه المتضائل لم يعد باستطاعته استيعاب سائر العلوم. آنذاك، نظام جديد وُجد… وكأن الحكمة الالهية قررت أن يقوم الانسان بدراسة علم واحد أو عِلْميْن، دون سائر العلوم… على أن يطرق باب علم مختلف في كل دورة حياتية لاحقة! بذلك يكتسب سائر العلوم عبر مراحل حياتية عديدة، فيتفتح وعيه تدريجياً، ويصل رويداً رويداً الى علم الانسان الكامل. عندها تتفتح جميع خلايا دماغه، ويصبح كتلة وعي واحدة.

الايزوتيريك والباراسيكولوجيا

ان أول ما يتبادر الى ذهن الأشخاص العاديين الذين لم يتعرفوا الى الايزوتيريك عن كثب، هو أن الايزوتيريك مجرد تسمية أخرى للباراسيكولوجيا… والواقع أن هذا الظن خاطىء ! فالايزوتيريك قد يلتقي مع الباراسيكولوجيا في عدة نواحي، لكنه يختلف معها من نواح اخرى… علما أن الباراسيكولوجيا ليس الا محاولة علماء النفس للخروج من نطاق مادة الجسد الكثيفة، والتعرّف الى الواقع الباطني في الانسان !
ونعود لنذكّر أن هدف انسان الايزوتيريك هو التطور في الوعي، لتصبح حياته أكثر تطوراً ! ونتّجه ثانية لنقارن بين هدف الايزوتيريك وهدف الباراسيكولوجيا، فنجد أن الأول ينطلق من البُعد الانساني ليصل الى البُعد الالهي… فيما الثاني يتوقف عند قسم محدود من البُعد الانساني، فحتى هذا القسم لا تشمله الباراسيكولوجيا برُمّته !
والانسان الواعي سيتحقق بنفسه من هذه الفوارق بين الايزوتيريك والباراسيكولوجيا، وسيميّز بين هدف كل منهما أثناء مسيرته على الدرب الباطنية، درب الايزوتيريك.