ابتدأت هذه العلوم الباطنية بالانتشار، بادىء ذي بدء، من الشرق الأقصى، حيث حفظها أسلاف الحكماء الكبار في أماكن نائية لا تطالها يد البشر. ومن هنالك انطلق ما عُرف بـ”الأخوية البيضاء”. فكان على كل من شاء اكتساب معرفة الإنسان بسائر فروعها، أن يتدرّج بالمعرفة والتجارب والتطوّر الذاتي…
حتى ينتهي به المطاف في الشرق الأقصى، حيث يُسمح له بالتعرّف، ومن ثم الاطلاع على شتى العلوم الباطنية. وبعد أن “يتخرّج” من تلك الجامعة الأم، يضحي من واجبه أن يحذو حذو معلميه… أي أن ينطلق في الأرض ليوعّي أخاه الإنسان ويرشده إلى درب الحق!
بهذه الوسيلة ابتدأ علم الايزوتيريك يشقّ طريقه خارج أسوار الشرق الأقصى، منذ قديم الزمان. لكنه، حيثما تواجد، بقي سرّيًا لا يُسمح بالاطلاع عليه إلّا للطلاب الحقيقيين، أولئك الذين يهدفون الى التكامل الانساني والعودة الى كنف الخالق، بموجب المخطط الالهي الذي حدد مسار العودة.
وانتشر علم الايزوتيريك في سائر أقطار العالم، إنّما بوسائل خفية أو متنكرة في معظم الأحيان، نظرًا للظروف السياسية التي كانت تسود بلدانا كثيرة. فقد ظهر علم الايزوتيريك في الشرق الأوسط عبر العلوم الدينية الالهية… وفي الشرق الأدنى في علم الفراسة، وتوارد الأفكار، والقوى العقلية الغامضة… وظهر في اليونان عبر علم الأعداد، والهندسة، والفلسفة… وفي مصر القديمة من خلال سر الخلود وسر البناء. وأيضاً بواسطة “السحر” أوالسيطرة والتحكم بالعوامل الطبيعية… وفي بلاد ما بين النهرين عبر علم الفلك والتنجيم، وأسرار الفضاء… كذلك في بعض البلدان الأوروبية عن طريق علم النفس وعلم الكَلِم… كما ظهر في القارة الأميركية من خلال التحكّم بالعناصر الطبيعية، والسيطرة على الحيوانات… فما من بلد لم يظهر في تاريخها علم الايزوتيريك بشكل أو بآخر.
لكن الحقيقة تقول أنّ كل ما جاء ذكره، كان أشبه بأقنعة لعلم الايزوتيريك… أقنعة متنوعة كانت كلّها تخفي هذا العلم الواسع، إن عَلِم الإنسان بذلك أم لم يعلم !
وبالرغم من هذا التوسع والانتشار أثناء العصور القديمة، بقي العلم الحقيقي، علم باطن الإنسان، خافيًا… ولم يبارح مقرّه الأصيل إلّا بسرية تامة، حتى دخول العصر الحالي.