الايزوتيريك والجمعيات أو معاهد معرفة الباطن الأخرى

منذ البدء – بدء حياة الانسان على الأرض – رسمت الطريق التي يجب على الانسان سلوكها من أجل العودة الى الخالق. ووضعت الأنظمة والقوانين التي يجب اتباعها لتسهيل تلك المسيرة المقدسة، وكل ذلك قد سجّل في الوعي الباطني الانساني.
سار البعض على تلك الطريق، وشرد البعض الآخر عن اتباع تلك الأنظمة، وعن انتهاج الدرب المقدسة. ولما وجد القيمون أن الانسان قد تاه عن وعيه الباطني… ارتأوا تجميع تلك الأنظمة والقوانين فى مخطوطات خاصة، وتأسيس معهد خاص لتعليم الانسان، بل لتذكيره بما يجب انتهاجه للعودة الى الأصل. وكان هذا المعهد هو المعهد الباطني الأول من نوعه على وجه الأرض، وقد سمي ب “الأخوية البيضاء ! ”
ومضت عهود وأزمان على تأسيس هذه الأخوية الأولى التي خرّجت معلمين متفوّقين وروّاداً على درب الوعي، وقادة ادراك قلّ نظيرهم… انطلقوا من هذه الأخوية، وانتشروا في أنحاء العالم أجمع، يؤسسون معاهد أخرى ذات درجات وأسماء مختلفة… لكنها جميعاً كانت تتبع ذات الأنظمة التي تأسست عليها الأخوية الأم – الأخوية البيضاء. وذلك سعياً منهم لتثقيف الشعوب وتوعية باطن كل انسان، حسب مستوى وعيه.
وأظهرت هذه المعاهد الباطنية نتائج متفوقة فى بادىء الأمر. لكن الشرود عن طريق الحق بدأ مع غياب المؤسسين… واستمر مع التغييرات التي طرأت على كل معهد، حتى بات العدد الأكبر من تلك المعاهد الباطنية صورة معاكسة أو مزيفة عن الأصل… شأن معظم المعاهد الباطنية المتواجدة حالياً على الأرض… وبالتالي انقطع اتصالها مع الأخوية الأم.
وبعدما تدّرك الوعى البشري الى الحضيض، وبعد أن كثر التهافت على المصالح الفردية، لاسيما داخل المعاهد التي ما زالت تدعي انتسابها الى الأخوية البيضاء، ارتأى القيمون أن الوقت قد حان لاعادة الانسان الضال الى الدرب القويم فباشر البعض من القيّمين تصميم المخطط الذي سيعيد كافة المعاهد الباطنية الى الأصل، ويجعل من كل مريد عضواً في “الأخوية البيضاء” عبر درب الايزوتيريك، أو عبر النهج الأساسي الذي كان متبعا في “الأخوية البيضاء”.
هذا مع العلم أن الايزوتيريك لن يعمل على دخول الجمعيات أو المعاهد الباطنية… فهدفه ليس التوسّع في هذا المضمار، بل أن يحوي الجميع، وألا يكون محتوَياً من قبل أي كان… لأن الأصل يحوي الكل… ولا يكون مُحتوَياً في شيء !

الايزوتيريك والميتافيزيقيا

في غابر الأزمان، لم تكن المعرفة مقسمة أو مجزأة الى مواضيع واختصاصات شأن العلوم الحالية. فنحن اليوم نسمع باسماء علوم كثيرة منها علم الفيزياء، وعلم الكيمياء، كذلك علم النفس، والطب، وعلم الذرة وعلم الفلك ألخ… أما في الماضي السحيق فكانت المعرفة علماً واحداً، هو علم الانسان… الذي كان يشمل سائر العلوم.
فالمعاهد القديمة لم تكن برامجها تسمح للطلاب بدراسة علم الطب لوحده دون علم الهندسة… أو علم الفلك دون علم الذبذبات الصحية مثلا… بل كانت المعاهد تدرّس علم الانسان ككل، فيكتسب الطالب سائر العلوم التي تُعتبر أجزاءاً من علم الانسان !
ومع مرور الزمن، وبعدما تكثفت العلوم المادية حتى باتت تشكل عائقاً أمام تطور الانسان وانطلاق وعيه… وبعد أن شرد الانسان عن الدرب القويم، وأغلقت منافذ الوعي فيه… وبعدما غاصت معظم خلايا دماغه في لا وعي مطبق، لم يعد باستطاعة الانسان أن يلمّ بما كان يلمّ به قديماً من علوم… لأن وعيه المتضائل لم يعد باستطاعته استيعاب سائر العلوم. آنذاك، نظام جديد وُجد… وكأن الحكمة الالهية قررت أن يقوم الانسان بدراسة علم واحد أو عِلْميْن، دون سائر العلوم… على أن يطرق باب علم مختلف في كل دورة حياتية لاحقة! بذلك يكتسب سائر العلوم عبر مراحل حياتية عديدة، فيتفتح وعيه تدريجياً، ويصل رويداً رويداً الى علم الانسان الكامل. عندها تتفتح جميع خلايا دماغه، ويصبح كتلة وعي واحدة.

الايزوتيريك والباراسيكولوجيا

ان أول ما يتبادر الى ذهن الأشخاص العاديين الذين لم يتعرفوا الى الايزوتيريك عن كثب، هو أن الايزوتيريك مجرد تسمية أخرى للباراسيكولوجيا… والواقع أن هذا الظن خاطىء ! فالايزوتيريك قد يلتقي مع الباراسيكولوجيا في عدة نواحي، لكنه يختلف معها من نواح اخرى… علما أن الباراسيكولوجيا ليس الا محاولة علماء النفس للخروج من نطاق مادة الجسد الكثيفة، والتعرّف الى الواقع الباطني في الانسان !
ونعود لنذكّر أن هدف انسان الايزوتيريك هو التطور في الوعي، لتصبح حياته أكثر تطوراً ! ونتّجه ثانية لنقارن بين هدف الايزوتيريك وهدف الباراسيكولوجيا، فنجد أن الأول ينطلق من البُعد الانساني ليصل الى البُعد الالهي… فيما الثاني يتوقف عند قسم محدود من البُعد الانساني، فحتى هذا القسم لا تشمله الباراسيكولوجيا برُمّته !
والانسان الواعي سيتحقق بنفسه من هذه الفوارق بين الايزوتيريك والباراسيكولوجيا، وسيميّز بين هدف كل منهما أثناء مسيرته على الدرب الباطنية، درب الايزوتيريك.

الافادة من الايزوتيريك

ذكرنا أن علم الايزوتيريك ليس علماً نظرياً، ليس معلومات الاطلاع عليها أمر اختياري، ليس ثقافة عامة يستطيع من يشاء أن يطالعها، ثم يهملها !
علم الايزوتيريك طريقة حياة يحياها الانسان يوما بعد يوم… وطريقة الحياة هذه سوف تؤدي بسالكها الى الوعي والتطور – ولا نقل الى الذكاء السامي والبُعد الفكري فقط.
فالتطبيق الحياتي يعني انفتاحا على الجديد، ويعني كذلك تمرين وعي الطالب على احتواء المزيد… تمرين فكره على التحليل، وبالتالي على التمييز والاستنتاج… تمرين طاقاته الباطنية على التفتّح والعمل بعدما كانت هاجعة… تمرين نفسه على العمل بنظام وانتظام، بذلك يحيا الزمن مضاعفا… تمرين ذاته على تقبّل المصاعب الحياتية بروِّية وتفهّم، ومن ثم ايجاد الحل المناسب لكل منها بسهولة وموضوعية … الى ما هنالك من انجازات سوف يتحقق منها كل من اتبع الايزوتيريك كنهج حياتي.

منهج الايزوتيريك

” ان العلم الأفضل والأهم هو ذلك الذي يمكن تطبيقه عملياً… ذلك الذي يؤدي بالانسان الى التطور من خلال هذا التطبيق… ولا فائدة ترجى من علم يقوم على النظريات، ولا يقدم سوى النظريات!! “
والواقع أن هذا القول الصائب يختصر منهج الايزوتيريك، فعلم الايزوتيريك لا يرتكز إلا على التطبيق العملي… بل هو التطبيق العملي لمجمل العلوم والمعارف والمبادىء التي تسير بالانسان نحو التطور الذاتي.

منهج الايزوتيريك اختياري، غير محدد، بالرغم من أنه يرتكز على عدة بنود ومبادىء… اختياري، لأن باستطاعة أي انسان أن يرسم النهج الذي يريد، ويسلك الطريق التي يشاء… طالما هو يقوم بتطبيق تلك المبادىء والبنود الأساسية، والمبادىء الأساسية لهذا المنهج الكامل والمتكامل تُختصر في كلمات ثلاث: محبة – وعي – تطبيق
واذا ما قمنا بتحليل أو تشريح هذه المبادىء الثلاثة، نجدها تتفرع وتتكامل حتى تشمل كل شيء في الحياة الانسانية، فيكتمل الانسان بها.

وبقدر ما يقوم بتطبيق هذه المبادىء، بقدر ما يعي ويتفتح ويتوسع بالوعي… اذ أن منهج الايزوتيريك هو طريقة حياة عملية تطبيقية، كاملة متكاملة.

هدف الايزوتيريك

بناء على ما تقدم، يتبيّن هدف الايزوتيريك السامي، ألا وهو توعية وتطوير الانسان… وما من سبب أو هدف آخر سوى توعية الانسان فقط، انطلاقاً من محبة الانسان لأخيه الانسان، وتنفيذاً للمشيئة الالهية.
يخبرنا الايزوتيريك أن عمر الأرض محدد، كذلك عمر الانسان عليها…

 بعد ذلك تنتهي مهمة الأرض، فتفنى… وينتقل الانسان الذي رفض الوعي الى أرض جديدة حيث يتلقى هناك علوماً مكثفة في معرفة الذات. لكن اسلوب تلقي تلك العلوم هناك، سيختلف عن الأسلوب المتبع حالياً. فالأسلوب الجديد سيكون صارماً حيث أن انسان تلك الأرض الجديدة سيفتقر الى حرية الاختيار التي يتمتع بها على هذا الكوكب الأرضي!!! اذ أن انسان الأرض الجديدة، لن يكون مخيّراً في اكتساب علوم الايزوتيريك، بل ستفرض عليه فرضاً، ولن تكون طريقه خالية من الآلام والعذاب… حيث أنه ينعم الآن بحرية اختيار درب المعرفة والوعي، لكنه يسيء استعمال هذه الحرية !
هدف الايزوتيريك هو ايصال كل انسان الى وعي ذاته، ومعرفة حقيقتها. ولهذا الأمر وحده استمر هذا العلم على وجه الأرض منذ أن استوى الوعي البشري… بل استمر الايزوتيريك بالتطور والانتشار حتى كاد يعم شتى المجالات العامة. وها هو اليوم يدخل كل نطاق ابتداء من علوم الذرة وانتهاء بعلوم الأكوان. لأنه العلم الوحيد الذي ابتدأ باكتسابه الانسان منذ وجوده على الأرض، والوحيد الذي استمر بالتطور والتوسع حتى الزمن الحاضر… وهو لن يتوقف عن التقدم الا متى وصل الانسان الى كامل معرفة ذاته. بذلك يكون الايزوتيريك قد خدم هدفه، وأدّى الرسالة التى وجد من أجلها… ألا وهي وعي التطور، والتطور في الوعي !